سورة الجن - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجن)


        


{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)}
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى} أي القرآن الذي هو الهدى بعينه {بِهِ إِنَّهُ} من غير تلعثم وتردد {فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ} وا أنزله عز وجل: {فَلاَ يَخَافُ} جواب الشرط ومثله من المنفى بلا يصح فيه دخول الفاء وتركها كما صرح به في شرح التسهيل إلا أن الأحسن تركها ولذا قدر هاهنا مبتدأ لتكون الجملة اسمية ولزم اقترانها بالفاء إذا وقعت جوابًا إلا فيما شذ من نحو:
من يفعل الحسنات الله يشكرها ***
معلوم وبعضهم أوجب التقدير لزعمه عدم صحة دخول الفاء في ذلك أي فهو لا يخاف {بَخْسًا} أي نقصًا في الجزاء وقال الراغب البخس نقصا الشيء على سبيل الظلم {وَلاَ رَهَقًا} أي غشيان ذلة من قوله تعالى: {وترهقهم ذلة} [يونس: 27] وأصله مطلق الغشيان وقال الراغب رهقه الأمر أي غشيه بقهر وفي الأساس رهقه دنا منه وصبى مراهق مدان للحلم وفي النهاية يقال رجل فيه رهق إذا كان يخف إلى الشر ويغشاه وحاصل المعنى فلا يخاف أن يبخس حقه ولا أن ترهقه ذلة فالمصدر أعني بخسا مقدر باعتبار المفعول وليس المعنى على أن غير المؤمن يبخس حقه بل النظر إلى تأكيد ما ثبت له من الجزاء وتوفيره كملا وأما غيره فلا نصيب له فضلًا عن الكمال وفيه أن ما يجزي به غير المؤمن مبخوس في نفسه وبالنسبة إلى هذا الحق فيه كل البخس وان لم يكن هناك بخس حق كذا في الكشف أو فلا يخاف بخسا ولا رهقًا لأنه لم يبخس أحدًا حقًا ولا رهقه ظلمًا فلا يخاف جزاءهما وليس من اضمار مضاف أعني الجزاء بل ذلك بيان لحاصل المعنى وان ما ذكر في نفسه مخوف فإنه يصح ان يقال خفت الذنب وخفت جزاءه لأن ما يتولد منه المحذور محذور وفيه دلالة على أن المؤمن لاجتنابه البخس والرهق لا يخافهما فإن عدم الخوف من المحذور إنما يكون لانتفاء المحذور وجاز أن يحمل على الاضمار وأصل الكلام فمن لا يبخس أحدًا ولا يرهق ظلمه فلا يخاف جزاءهما فوضع ما في النظم الجليل موضعه تنبيهًا بالسبب على المسبب والأول كما قيل أظهر وأقرب مأخذًا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية لا يخاف نقصًا من حسناته ولا زيادة في سيئاته وأخرج عيد بن حميد عن قتادة أنه قال فلا يخاف بخسًا ظلمًا بأن يظلم من حسناته فينتقص منها شيء ولا رهقًا ولا أن يحمل عليه ذنب غيره وأخرج نحوه عن الحسن ولعل المعنى الأول أنسب بالترغيب بالإيمان وبلفظ الرهق أيضًا نظرًا إلى ما سمعت من قوله تعالى: {وترهقهم ذلة} [يونس: 27] وقرأ ابن وثاب والأعمش فلا يخف بالجزم على أن لا ناهية لا نافية لأن الجواب المقترن بالفاء لا يصح جزمه وقيل الفاء زائدة ولا للنفي وليس بشيء وأيًا ما كان فالقراءة الأولى أدل على تحقق أن المؤمن ناج لا محالة وانه هو المختص بذلك دون غيره وذلك لتقدير هو عليها وبناء الفعل عليه نحو هو عرف ويجتمع فيه التقوى والاختصاص إذا اقتضاهما المقام وقرأ ابن وثاب بخسًا بفتح الخاء المعجمة.


{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)}
{وَأَنَّا مِنَّا المسلمون وَمِنَّا القاسطون} الجائرون على طريق الحق الذي هو الإيمان والطاعة يقال قسط الرجل إذا جار وأنشدوا.
قوم هم قتلوا ابن هند عنوة *** عمرا وهم قسطوا على النعمان
{فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ} الإشارة إلى من أسلم والجمع باعتبار المعنى {تَحَرَّوْاْ} توخوا وقصدوا {رَشَدًا} عظيمًا مبلغهم إلى الدار للثواب وقرأ الأعرج رشدًا بضم الراء وسكون الشين.


{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)}
{وَأَمَّا القاسطون} الجائرون عن سنن الإسلام {فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} توقد بهم كما توقد بكفرة الإنس واستظهر أن {فمن أسلم} [الجن: 14] إلخ من كلام الجن وقال ابن عطية الوجه أن يكون مخاطبة من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما بعد من الآيات وفي الكشاف زعم من لا يرى للجن ثوابًا أن الله تعالى أوعد قاسطيهم وما وعد مسلميهم وكفى به وعدا أن قال سبحانه: {فأولئك تحروا رشدًا} [الجن: 14] فذكر سبب الثواب والله عز وجل أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد وهو ظاهر في أنه من كلامه عز وجل وقوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8